التحولات السياسية بماسة خلال القرن التاسع عشر

بمجرد وفاة السلطان المولى إسماعيل عرف المغرب أزمة سياسية نتج عنها أوضاع اقتصادية مزرية امتدت فترة زمنية حتى عهد السلطان المولى سليمان،(خلال هذه المرحلة ظلت معلوماتنا قليلة جدا انطلاقا من المصادر المعتمدة ) باستثناء تلك الإشارة التي أوردها المختار السوسي في كتابه " خلال جزولة، الجزء الرابع الصفحة 46-47 " والتي لم يؤكد بصراحة زيارة المولى سليمان لماسة حيث قال: " وكان في البالي أن المولى سليمان الذي افتتحت سلطته في ذلك العهد زار سوس وكان ذلك ليشرف على أمثال المخلصين الذين يقاومون الثوار من عند أنفسهم فيمهدون للدولة ولجمع الكلمة، وكأنني سمعت أنه وصل إلى ماسة فتلاقى التسكاتي "

شهدت ماسة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر العديد من الصراعات القبلية والنزاعات المحلية أنهكت قواها، وظلت هذه الصراعات تقوم داخل مجال ماسة وقد تتعداه لتصبح في بعض الأحيان صراعات ضد قبائل خارج نفوذها كقبيلة شتوكة، ومن ذلك تلك التي اندلعت مع سنة 1856 والتي أشار إليها روبير منطاني حيث أكد أن سبب تلك النزاعات هو إرسال هدية إلى الخليفة السلطان مولاي إدريس من قبل شيخ إدا وموط محمد بن بوجمعة الشيء الذي أثار حفيظة تاسنولت وجوابر وأهل المعذر بتحريض من سيدي حسين مرابط تازروالت. وظلت النزاعات القبلية على أشدها إلى سنة1860، وقد أكد الأستاذ روبير مونطاني أن أهالي ماسة تناسوا خلافاتهم والتفوا فيما بينهم وشاركوا في الجهاد ضد الاسبان. وعلى الرغم من انهزام المغاربة في معركة تطوان هذه فإن ماسة اكتسبت خلال هذه الفترة نتيجة إيجابية نظرا لتناسي النزاعات وبالتالي خفت حدتها حتى مجيء السلطان الحسن الأول إلى ماسة عام 1882.

جاء في الإستقصا " ثم دخلت سنة تسع وتسعين وألف فيها تحرك السلطان أعزه الله لغزو بلاد السوس الأقصى ... فرأى السلطان أعزه الله أن من الواجب أن ينهض إلى تلك البلاد ليباشر أمرها بنفسه فنهض إليها في رمضان من السنة المذكورة فانتهى منها إلى قرب وادي نول ومهد أقطارها وولى على أهلها القضاة والعمال..." من هنا تتضح المهام التي قام بها الحسن الأول وخصوصا توليته الفقهاء والعمال، ففي هذا الإطار تدخل زيارته لماسة. واعتمادا على الرواية الشفوية، فإن المولى الحسن الأول نزل بموضع يقال له " تِينْ سِيِدي عَبْلاَّ " وهناك عين قائدين وقاضيين، إلا أن روبير مونطاني أكد أن الحسن الأول قام بتعيين أربعة قواد كل في مجال محدد الشيء الذي جعل ماسة تنقسم إلى عدة أقسام، فالقسم الأول يشمل منطقة أغبالو تحت قيادة القائد سيدي محمد اوهمو، أما منطقة ادا وموط فقد عين فيها السلطان قائدين هما محمد بن حميد التاستاتي ومحمد بن السي محمد الإفنتاري وأخيرا منطقة تاسنولت تحت رئاسة أحد أبناء شريف تازروالت، هذا الأخير استقر بأفنسو مع مجموعة من الحراطين ليقوموا بالحراسة وكذا الأشغال الفلاحية. غير أن سياسة القواد كانت غير مرضية إذ دخلوا في نزاعات فيما بينهم وفي ذلك يقول المختار السوسي "... كانت الرياسة في ماسة متداولة في أسر، وقد كان المولى الحسن قد قدم للقيادة محمد بن حميد التاسلائي عام 1299هـ فبقي قائدا إلى أن مات نحو 1302هـ تم تولى أخوه القائد مبارك إلى أن سجنه المولى الحسن كما تولى القيادة أيضا على يد المولى الحسن الأول القائد محمد الفنتوري إلى أن سجنه مع القائد المعدري محمد أويحيا لأنهما تعاونا على تخريب دار القائد علي ابن إسماعيل الفنوسي الماسي من القواد الحسنيين أيضا ثم أن الرئيس الإيليغي سيدي محمد بن الحسين تشفع فيهما فانطلق من السجن."

على العكس من سياسة المولى الحسن اللينة، فإن القواد ومساعديهم من شيوخ " إمغارن" وإنفلاس قد تجاوزوا إطارهم وذلك راجع إما لقوتهم وسطوهم أو ذلك راجع إلى القائد الذي أعطاهم حق المشاركة في السلطة، حتى قيل إن القائد راض على التصرفات التي يقومون بها والغير المعقولة. زد على ذلك الأشعار التي تتداول بين الناس والتي تعلن صراحة سياسة القواد وتصرفاتهم، وهذه الأشعار الأمازيغية تشير إلى أن الهول في سوس سببه هو المخزن نظرا للمنافسة الشديدة بين القواد للسيطرة على مجال واسع وعلى السلطة، وأنه لو وقع التسامح بين القواد لعاشت المنطقة في هناء وطمأنينة.

تأزمت الأمور بموت السلطان الحسن الأول عام1894 م إذ أصبحت ماسة منهوكة بسبب الصراعات القبلية والنزاعات المحلية واستمرت الأوضاع على هذا الشكل حتى مجيء القائدين الجلولي وأنفلوس إلى تزنيت ما بين 1897م و 1903م حيث تمكن المخزن من الحصول على نتائج إيجابية. فإذا تمكن القائد الحاج محمد الغبولي من السيطرة على مجال نفوذه فأن القائد بيهي أو علي ظل عاجزا بسبب قوة انفلاس الذين أصبح نفوذهم يتقوى شيئا فشيئا حتى أصبحوا بمثابة شيوخ القبيلة، وكان من بينهم بيهي بن المختار وعبد الله بالقاسم، هذا الأخير الذي قدم خدمات جليلة للمخزن وقد تمكن من قتل القايد بيهي أوعلي ليصبح فيما بعد قائدا على تاسيلا، إلا انه قتل من طرف الجنرال دولاموط سنة1917 م. أما الحاج محمد الأغبالوي المسيطر على أغبالو كان له موقف آخر، إذ ظل يتعرض لقوة شتوكة وحركة المخزن تحت قيادة اسي الطيب الكندافي، وربما هذا راجع للموقف السلبي الذي اتخذه الحاج محمد الغبولي، وكان من موقفه كذلك معارضة المجاهد أحمد الهيبة إذ تمكن من هزمه.

وعموما فقد أصبحت ماسة تحت رئاسة القائدان الحاج محمد الغبولي وعبد الله بالقاسم، إلا أنه في الأخير انتقل الحكم إلى أسرة بالقاسم بواسطة ظهير شريف مؤرخ بـ 8 ماي 1920م.